Spotcode

back image back image

أسباب فشل الشركات الناشئة

الرئيسية | التحديثات |

أسباب فشل الشركات الناشئة

يامن نصري

المؤسس و قائد الفريق

مدة القراءة : 10 دقائق

التاريخ : 14/9/2025

إن إطلاق شركة ناشئة وإدارتها ليس بالأمر السهل على الإطلاق، خاصة عند الخوض في تفاصيل الموضوع المعقدة التي ترتبط بحجم الشركة، ونوع الخدمة أو المنتج، والجمهور المستهدف، بالإضافة إلى توقيت ودقة المكان.

ومع حلول عام 2025، نرى انتشارًا وتكاثرًا ملحوظًا للشركات الناشئة، مدفوعًا بالتسهيلات التقنية الهائلة، وتوفر الأدوات الرقمية، وتحول معظم العمليات إلى العالم الرقمي. إلا أن الواقع يُظهر أن حوالي 90% من هذه الشركات الناشئة تفشل في النهاية، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة Failory واستنادًا إلى تحليلات من CB Insights و Statistic Brain. وتشير هذه الدراسات إلى أن الغالبية العظمى من الشركات الناشئة لا تستمر بعد سنواتها الأولى.

لذلك، بدلاً من التركيز فقط على تعلم استراتيجيات التحسين والنمو، من الأفضل أولاً فهم الأسباب الجذرية لفشل الشركات الناشئة. فالاستفادة من الدروس المستفادة وحالات الفشل الواقعية هي من أقوى الأدوات لبناء أساس متين وتجنب المصير نفسه."

في هذا المقال، سأتحدث عن أسباب فشل الشركات الناشئة، لا من منظور نظري بحت، بل انطلاقًا من تجاربي الشخصية وما شاهدته عن قرب لأشخاص طموحين خاضوا هذه التجربة وحاولوا بناء مشاريعهم الخاصة. لكن قبل الخوض في التفاصيل، دعونا أولاً نوضح الأساسيات.

ما هي الشركة الناشئة؟

الشركة الناشئة (Startup) هي مشروع تجاري في مراحله الأولى، يُطلق عادةً بهدف تطوير نموذج عمل قابل للتكرار والتوسع، غالبًا في ظل عدم اليقين وبدعم مالي محدود. تتميز بأنها تقدم منتجًا أو خدمة مبتكرة لحل مشكلة ما أو تلبية حاجة في السوق، مع قدرة عالية على النمو السريع إذا ما نجحت.

لماذا نبني شركات ناشئة؟ 3 فوائد رئيسية:

  • الحرية والإبداع: تمنحك المساحة لتحويل فكرتك إلى واقع ملموس وتغيير قواعد اللعبة في مجال عملك.
  • التأثير والتغيير: لديك الفرصة لإحداث تأثير حقيقي في السوق، وحل مشاكل المستخدمين، وربما تغيير العالم نحو الأفضل.
  • المرونة والقيادة: أنت القائد، أنت من يضع ثقافة العمل ويفرض رؤيته، مع مرونة في اتخاذ القرارات وتسيير الأمو

وما هي مخاطر هذه الرحلة؟ 3 تحديات جسيمة:

  • معدل الفشل المرتفع: تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 90% من الشركات الناشئة تفشل، لأسباب سنذكرها لاحقًا.
  • ضغوط مالية ونفسية هائلة: الاستثمار الشخصي الكبير وعدم الاستقرار المالي يمكن أن يسببا إجهادًا كبيرًا لرواد الأعمال.
  • المنافسة الشرسة: الدخول إلى سوق مليء باللاعبين الكبار أو المنافسين الجدد المتشابهين يتطلب تميزًا صارخًا.

والسؤال الأهم: هل أي أحد مؤهل لخوض هذه الخطوة؟

نعم، يمكن لأي شخص أن يبدأ، لكن النجاح حكر على المستعدّ حقًا لهذه الرحلة. فالتأهيل الحقيقي ليس في الشهادات، بل في المرونة، الشغف، والإصرار اللازمين لمواجهة التحديات والتعلم من كل فشل.

أسباب فشل الشركات الناشئة

بصفتي مؤسسًا لشركتي الناشئة، أسعى دائمًا لبناء شراكات استراتيجية مع جهات أخرى لتعزيز جودة أعمالنا ودفع عجلة النمو. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن كل محاولات التعاون ناجحة بسبب تحديات متنوعة، بعضها مشترك بين الطرفين، وبعضها الآخر مرتبط بطبيعة عمل الشريك أو متطلبات العميل المستهدف. ومن أبرز القصص التي توصلت إليها من خلال هذه التجارب.

1- قصة النجاح السريع أو الفشل السريع

قبل ثلاث سنوات، تعاونت شركتنا مع مشروع ناشئ في سوريا متخصص في تصنيع بطاريات الليثيوم. كان صاحب المشروع قد نجح في تصنيع وبيع عددٍ من الوحدات، واتجه إلينا لبدء حملات تسويقية تستقطب عملاءً جدد.

    بدأنا بتنفيذ خطة متكاملة شملت:
  • تصوير محتوى احترافي (فيديوهات وصور).
  • إعداد استراتيجية محتوى وبناء الهوية البصرية للعلامة التجارية.

كما هو متوقع في المراحل الأولى، كان الطلب ضعيفاً ولم تظهر النتائج فورياً. لكن التحدي الحقيقي لم يكن في السوق؛ بل في عجلة ووعود صاحب المشروع غير الواقعية لشركائه، مما دفعه إلى حالة من التسرع وعدم الصبر. هنا برز مبدأ "إما النجاح السريع أو الفشل السريع". فبدلاً من منح الخطة التسويقية الوقت الكافي لتعطي ثمارها، اختار صاحب المشروع الانسحاب مبكراً بسبب ضغوط الوعود التي أعطاها.

الدرس المستفاد:

في عالم الشركات الناشئة، الوقت هو الحل الأكثر حكمة لأغلب المشاكل. النمو العضوي يحتاج إلى صبر وتخطيط طويل المدى، وأحياناً يكون الفشل نتيجة الإرهاق الذاتي وليس فشل الفكرة نفسها.

2- قصة تعاون أخوي... عندما تخونك الثقة وتنقذك الأوراق

في عالم الأعمال، قد تكون العلاقات الشخصية أقوى سلاح وأكبر نقطة ضعف. من أبرز الأخطاء الفادحة التي تُدمّر الشركات الناشئة هو التعاون المبني على الثقة العمياء دون وجود عقود أو وثائق تُحدد بوضوح حقوق وواجبات جميع الأطراف.

واقعٌ مرٌ عاشته إحدى شركات التجميل الناشئة في حمص، التي بدأ نجمها بالصعود بسرعة لافتة. كان المؤسسون أفرادًا من عائلة واحدة، تربطهم روابط دم قوية وثقة متينة، فاكتفوا بها بدلاً من وضع اتفاقيات مكتوبة

الدرس المستفاد:

الاتفاق الواضح والمُوثّق من البداية على:

  • المسميات الوظيفية والمسؤوليات: من هو المسؤول عن ماذا؟
  • نسبة التملك والأرباح: كيف تُقسّم الحصص والأرباح؟
  • تحمّل الخسائر والعقبات: كيف يتم التعامل مع الأزمات المالية؟

3- لا تعطِ السكين للشيف المبتدئ: عندما تتحمس للفكرة وتهمل كفاءة الفريق

في إحدى تجاربنا، تعاونا مع مطعم ناشئ لبناء منصة رقمية خاصة بهم. تم توزيع المهام والمسؤوليات بين الأفراد بناءً على الحماس والرغبة وليس بناءً على الخبرة أو الكفاءة. النتيجة؟ صدمة الجميع عندما اكتشفوا أن بعض الأعضاء غير قادرين على تنفيذ المهام المطلوبة منهم، مما أدى إلى تأخير المشروع، خسائر مادية، وإحباط عام بين جميع الأطراف.

الدرس المستفاد:

  • اختبر قبل أن تندم: تأكد من كفاءة شركائك وقدراتهم الحقيقية قبل الدخول في أي تعاون، ولو بدا الأمر غير ودّي. الثقة ضرورية، ولكن الواقعية أهم.
  • قسّم العمل إلى مراحل صغيرة (Pilot Projects): ابدأ بمهام مصغرة وواضحة تختبر فيها قدرات فريقك قبل الغوص في المشروع الكبير.

4- لا تشارك مع شخص غارق

في عالم الشركات الناشئة، يُعد اختيار الشريك المناسب أحد أهم عوامل النجاح. أحد الأخطاء الفادحة هو التعاون مع أشخاص يدخلون في مشاريع دون امتلاك رغبة حقيقية أو معرفة كافية بالمجال. هؤلاء قد لا يهتمون بخطة العمل، ولا يبالون بالتحديات، وكأنهم يدخلون المعركة بعيون مغمضة.

في البداية، قد تبدو الأمور مستقرة، ولكن ما أن تظهر أول عقبة حقيقية حتى ينهار هذا الشريك، ليسقط وحده فحسب، بل ليسحبك معه إلى القاع.

الدرس المستفاد:

  • اختر الشريك الذي يتحمل المسؤولية ولا يخاف الفشل: ابحث عن الشخص الذي يمتلك العزيمة والمرونة لمواجهة التحديات، وليس مجرد الحماس المؤقت.
  • تأكد من الرغبة الحقيقية والتضحيات المستعد لها: ناقش شريكك بوضوح حول ما هو مستعد لتقديمه من وقت، جهد، واستثمار معنوي ومادي.

الخاتمة

في النهاية، إن تأسيس شركة ناشئة لا يختلف كثيرًا عن بناء منزل تحلم به أو تكوين عائلة تُخلَد معها. تحتاج إلى أساس متين، وشريك مُخلص يُشاركك الرؤية والتحديات، وخطة واضحة للتمويل والتشغيل تضمن البقاء والاستمرارية. لكن الأهم من كل ذلك هو راحة البال التي تأتي عندما تعلم أنك تبني شيئًا ذا قيمة، بطريقة صحيحة، ومع الأشخاص المناسبين.

أتمنى أن تكون هذه التجارب البسيطة التي شاركتها معكم قد قدمت فائدةً عملية، ولو كانت متواضعة. ففي النهاية، السرُّ الحقيقي ليس في عدم الوقوع في الأخطاء، بل في التعلم المستمر منها، والحرص على عدم تكرارها، خاصةً تلك التجارب المكلفة ماديًا ومعنويًا.

وكما يقول المثل الإنجليزي الذي أؤمن به دائمًا: "Learn more, earn more"

كلما تعلمت أكثر، كلما كسبت أكثر.

فاجعل من التعلم رفيقك، ومن الحذر دليلك، وستصل إلى ما تطمح إليه.

وشكرا لكم